امنيات

القضاء تمرّد على فائض القوة.. متى تقتدي به الطبقة الحاكمة؟

تجرّأ القضاء على كفّ أيدي مَن حاولوا إقحام أنوفهم في ملفّاته. رغم التهديدات العلنية والصريحة التي تعرّض لها أركانه، وحملات التخوين التي شُنّت ضدهم، متّهمة اياهم بتنفيذ اجندات السفارات ورغباتها، بقي الجسم القضائي صامتا، صمّ آذانه عن كل هذه الضوضاء وواصل عمله وفق ما تقتضيه الاصول والقوانين.

فكان أن صدر منذ ايام، عن “الهيئة العامة” التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود، وبالاجماع، ردّ لطلبات مخاصمة الدولة والقضاة، وقد حددت الهيئة نفسها “المرجع الصالح” المختصّ بالبت بطلبات رد المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، ورفضت بهذه الصفة كفّ يد الاخير، بالتزامن مع ردّ محكمة التمييز دعوى “الارتياب المشروع” المرفوعة ضده.

بحسب ما تقول مراجع قضائية لـ”المركزية”، سلوك القضاء يُفترض ان يشكّل درسا للطبقة السياسية كلّها حول كيفية بناء الدولة القوية المحصّنة في وجه شتى انواع الضغوط من الداخل والخارج ونموذجا لكيفية تصرف رجالات الدولة عن حق. فهو لم يرضخ لفائض قوّة حزب الله الذي لم يتردد في ارسال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط لديه وفيق صفا الى قصر العدل ليخرق حرمته متوعدا ومهوّلا بـ”قبع” البيطار، ولا للتظاهرات التي سيّرها الثنائي الشيعي نحو العدلية رفضا لمجرى التحقيقات في انفجار 4 آب، ولا للعب الضاحية في 14 تشرين الماضي، ورقةَ الفتنة الطائفية والمذهبية والمناطقية لجعل القضاء يرتدع، بل بقي القضاء صامدا مستقلا.

المصادر تسأل عن سبب خنوع الطبقة الحاكمة واستسلامها للحزب ومشيئته، بدلا من ان تحذو حذو القضاء؟ لماذا لا تنتفض لنفسها وكرامتها وتتمرّد على ما يفرضه عليها؟ هو يعطّل اليوم مجلسَ الوزراء رابطا انعقاده بإطاحة البيطار، وبدلا من ان تواجهه “المنظومة”، ولو في الشكل، فتقرر توجيه دعوة الى جلسة حكومية، هي تصالحت مع الامر الواقع، وانحنت امام جبروت الحزب. حتى ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان اعلن من قصر بعبدا الاسبوع الماضي انه سيدعو الى جلسة لمجلس الوزراء، عاد وتراجع عن هذا الموقف امس، قائلا انه سيتريث مجددا “على أمل أن يقتنع الجميع بابعاد المجلس عن كل ما لا شأن له به، خصوصا وأننا كنا توافقنا على أن القضاء مستقل، وأن اي اشكالية تحل في القضاء ووفق أحكام الدستور، من دون أي تدخّل سياسي”.

اما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فبدوره يرى ان لا بد لمجلس الوزراء من الانعقاد من جديد في ظل الاوضاع المعيشية الضاغطة، كما ان ذراعه النيابية “لبنان القوي”، اعلن انه يريد مساءلة الحكومة حول اسباب عدم اجتماعها في هذه الظروف… غير ان ايا من هذه الجهات، من بعبدا الى السراي فميرنا الشالوحي، لم يجرؤ حتى على تسمية “المعطّلين” بالاسم، ولم يخطُ خطوة واحدة “عمليّة” لكسر الطوق الذي يفرضه حزب الله على الحكومة واللبنانيين في اصعب مرحلة من تاريخ البلاد المعاصر والقديم.

امام هذا الاستسلام، تختم المصادر، هل تسألون بعد عن اسباب ادارة الخليجيين ظهورَهم للبنان – الدولة؟

زر الذهاب إلى الأعلى